أم معبد الخزاعية تصف النبي صلى الله عليه وسلم

أحد, 11/11/2018 - 16:21

لكل صحابي أو صحابية من صحابة رسول الله ـصلى عليه وسلم ـ موقف أو سطور قليلة في حياة نبينا محمد، حفظت لهذا الصحابي أو هذه الصحابية خصائصه أو فضائله، وربما قدم هذا الصحابي أو الصحابية وصفا أو حالا من أحوال رسول الله، يكون لنا دليلا للمزيد من التعرف على صفات نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وأم معبد الخزاعية تقدم لنا وصفا دقيقا لصفات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهيئته وتقرب لنا صفاته الجسمانية والوضاءة الظاهرة عليه التي تلفت من يلقاه.

وأم معبد هي: عاتكة بنت خالد بن منقذ بن ربيعة بن أصرم الخزاعية، وقابلها الرسول صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبو بكر الصديق في طريقهما للهجرة، وقد سألاها شيئًا يأكلانه، ولم يكن عندها شيء. فنظر رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شاة في الخيمة فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد؟"(*).

قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: "هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟"  قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: "أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا؟" قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا.

فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا. فدرت واجترت, ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجًّا حتى علاه البهاء, ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا, وشرب آخرهم, ثم أراحوا، ثم حلب ثانيًا فيها بعد ذلك حتى ملأ الإناء, ثم غادره عندها وارتحلوا عنها.

ولما عاد زوجها أبو معبد، استغرب وجود لبن في الخيمة، فهو يعلم أنه لا توجد شاة حلوب، فقال: من أين هذا اللبن يا أم معبد؟ والشاة عازب حيال ولا حلوب في البيت! قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.

قال: صفيه لي يا أم معبد.

قالت:"رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، مبتلج الوجه (مشرق الوجه) حسن الخلق، لم تعبه ثجلة (ليس فيه ضخامة بطن) ولم تزر به صعلة (لم يشنه صغر الرأس) وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف،( طويل شعر الأجفان) وفي صوته صحل (رخيم الصوت) أحور أكحل أرج أقرن شديد سواد الشعر، في عنقه سطح (ارتفاع وطول) وفي لحيته كثافة.

 

 إذا صمت فعليه الوقار, وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق فصل لا نذر ولا هذر (لا عي فيه ولا ثرثرة في كلامه) أجهر الناس وأجملهم من بعيد، وأحلاهم وأحسنهم من قريب، ربعة (وسط ما بين الطول والقصر) لا تشنؤه من طول (لا تبغضه) ولا تقتحمه عين من قصر،(لا تحتقره لقصره) غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا له رفقاء يخصون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود،(يسرع أصحابه في طاعته) محشود (يحتشد الناس حوله) لا عابث ولا منفذ.

 

قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة, ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً.

 

وتذكر كتب السيرة: أن أم معبد هاجرت بعد ذلك وأسلمت، وحين أتت المدينة بعد ذلك بما شاء الله ومعها ابن صغير قد بلغ السعي, فمر بالمدينة على مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يكلم الناس على المنبر, فانطلق الصغير إلى أمه يشتد فقال لها: يا أماه إني رأيت اليوم الرجل المبارك, فقالت له: يا بني ويحك هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

 

وتروي أم معبد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول: إن النبي كان يدعو: "اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"رواه البيهقي، وغيره وضعفه العراقي وابن حجر وغيرهما.

 

هذه أم معبد التي لم ترو كتب السيرة تاريخ ولادتها، ولا تاريخ وفاتها، ولا حتى اسم زوجها الذي تقول بعض الروايات إن اسمه أكثم، ولكن وصفها الدقيق البارع الذي صور النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تصويرا رئعا، كأنك تراه حفظ سيرتها وموقفها في التاريخ، تتداوله الأجيال وتتعلم من كرمها وحصافتها رضي الله عنها.

لها أون لاين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) حديث أم معبد رواه الترمذي في الشمائل، ورواه بطوله الطبراني في معجمه الكبير، ورواه الحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه بعض أهل العلم ومنهم الألباني.