الأدوية المزورة في موريتانيا .. والشعب المنهك

اثنين, 07/01/2019 - 20:59

في حلقة مباشرة من  البرنامج الاستشاري " صحتك أولا " على أثير إذاعة نواكشوط الحرة يتصل بنا محمد فال ولد محمد لمين لينتقد الضيف وهو الاختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي .... وقال محمد فال: .... هذا الطبيب الذي تستضيفينه اليوم لا يعرف شيئا لقد أوصلني للموت بعد أن دفعت للدخول عليه ٦٠٠٠ أوقية  .... إنه المسؤول عن الحالة التي وصلت إليها .... 
أسكته بعد لأي وبعد أن عاهدته على متابعة حالته والتحقيق فيها حتى نكشف المسؤول عنها 
ترك رقمه كما أمرته عند الفني فاتصلت به وزرته في مقر سكنه بمقاطعة تن اسويلم بنواكشوط.
..................................
يسكن الشاب الثلاثيني مع أمه وأختين تركاهما زوجاهما وصبية خمسة لم أستطع تمييز الأم عن الخالة في كليهما " لعلها عادة الموريتانيات في عدم اظهار الحنان للأبناء دون بقية ابناء الاخوة والأخوات" 
يقول محمد فال: 
أصبت بسعال وحمى وبعد يومين من استعمال الوصفات الشعبية من زيت وعسل وحبة البركة ذهبت إلى مستوصف المقاطعة ووصف لي مهدئا ومضادا حيويا .... بدأت الحمى تخف والآلام تهدأ خاصة بعد استعمال الدواء مباشرة ولكن بين كل جرعة وأخرى يرجع الحال على ما كان عليه.
بعد أسبوع ساءت حالته وذهبوا به إلى أحد الإختصاصيين في أمراض الجهاز التنفسي ( ضيف الحلقة ) وأظهرت الأشعة بأنه سليم ولا يعاني إلا من نزلة بردية عادية لم تجد بعد الدواء المناسب ( هذا ما أكده لي الطبيب عند زيارتي له في عيادته وأنا أحمل ملف الشاب ... وقال بأنه وصف له الأدوية المناسبة وهي     DOLIPRAN
و مضاد حيوي amoxilin  وكانت بقية الدواء لازالت موجودة لدى الشاب .. فأكد الطبيب بأنه فعلا هو نفس الدواء الذي وصف له.
ملاحظة 
الطبيب رفض تسجيل كلامه

بعد أربعة أيام من استعمال دواء الاختصاصي تفاقمت حالة الشاب حتى احتجز في مركز الاستطباب الوطني ( وهو أكبر مستشفى عمومي في البلد" وحسب قوله أنه تم انتشاله من موت محقق على يد أطباء يعرفون ما يفعلون. 
أول فكرة خطرت ببالي هي أن الدواء مزور ... أخذت ما تبقى من الدواء وأتصلت بصديق لي من نقابة الصيادلة الموريتانية وعندما عرضت عليه شكوكي لم يستبعدها ... ولكنه أجابني بغير اكتراث ( يا أختي الكريمة لا تتعبي نفسك ... في بلادنا الشركة الوحيدة المخول لها بإدخال المضادات الحيوية هي كامك ... ولكن هناك شبكة من التجار يدخلون الأدوية وأكثريتها مزور ... فماذا أنت فاعلة إن اكتشفت أنه مزور ) 

صممت على موقفي وأعانني جزاه الله خيرا في إدخالي إلى المخبر الوطني لمراقبة الأدوية والذي لا يحلل إلا الأدوية التي ترسل له من طرف المركزية الوطنية لشراء الأدوية "كامك" ولكن بمساعدة زملاء له حللوا  الدواء في المختبر وكم كانت صدمتي ودهشتي  بنسبة المادة الفعالة الموجودة فيه والتي لم تتعدى 0.025 
الصيدلي محمد س والذي ساعدني في تحليل الدواء أبدى استعداده لمعاونتي في التحقيق.
...................................................................

انتشرت في الفترة الأخيرة بين الموريتانيين عادة السفر للخارج للعلاج. رغم أنها تنهك كاهل الفرد آلاف الدولارات رغم الأطباء الأكفاء والأجهزه الجيدة نسبيا. 

خدجة بنت احمد والعائدة لتوها من تونس بعد رحلة علاجية من حمى التفوييد. 
سألناها عن السبب في سفرها للعلاج في الخارج
أجابتنا بأن الأدوية المزورة هي السبب  .. وأنها في البداية أصيبت بحمى وقيئ .. وبعد التشخيص الذي أظهر إصابتها بحمى التفوييد نصحها الطبيب أن تنتبه لجودة الدواء الذي وصفه لها لأن حمى التفوييد إذا لم تعالج تصبح قاتلة ... تقول خديجة " اتصلت بكل الأطباء  الذين اعرفهم والصيادلة لأعرف المميزات التي أستطيع بها التمييز بين الجيد من غيره ولم يستطيعوا إجابتي ... في النهاية قررت الذهاب لتونس اقترضت من البنك الذي أعمل فيه فأنا لا أملك ضمانا صحيا لأني لا أعمل في القطاع العمومي " 
الغريب أن الفحوص أظهرت نفس المرض والدواء نفس الدواء الذي وصف لها بنواكشوط ........
بعد محاولات مضنية باءت بالفشل إلتقيت صدفة وعلى هامش ندوة نظمها مكتب اليونسف في نواكشوط ... المدير العام للمركزية الوطنية لشراء الأدوية وهي الوحيدة المخول لها إدخال المضادات الحيوية للبلد .... سلمت عليه وأخرجت له علبة الدواء وفيها. وبها أقراص من المضاد الحيوي المذكور ومعها التقرير الذي يثبت تزويرها،  نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر وقال إن هذا إلا دواء مزور وكل هذه الماركة من الأدوية الشركة غير مسؤولة عنها .... وتولى عني.
وزارة الصحة وبعد جهد جهيد قرر أحد المستشارين فيها أن يساعدني وقبل لقائي ........عندما عرضت عليه القصة واخرجت الجهاز للتسجيل واعتذر متحججا بأنه بأنه على  موعد مع السيد الوزير ......
......................................................

أدوية مزورة، وزارة مكممة، مرضى مهددة صحتهم وأرواحهم، واقع مؤلم ومخجل تصنعه إرادات ربحية سيئة، ولا يمنعه ضعف شعبي يشكله إثنان أمية بالغة، وضعف توعية صحي. من ناحية، ومن ناحية أخرى غياب رقابة صارمة على استيراد الدواء ومستودعات الصيدليات. ويزيد هذا الواقع مرارة ما يكون كذلك من ضعف الإعلام عموما وغياب الصحافة الإستقصائية بشكل تام.... فأين المفر.

 

 

انتهى  التحقيق وقدم في النشرات الإذاعية لإذاعة نواكشوط الحرة في نشرة الثانية عشر بتوقيت اجرينتش وعند الساعة الخامسة اتصل بي أحد الأصدقاء الصيادلة والتقيت به وذهبنا إلى الصيدليات واشتريت بجهودي الذاتية وبمساعدته  ما استطعنا من انواع الماركة التي نفى مدير كامك علاقتهم بها ... ثم اتصلت بزميلة لي في قناة تلفزيونية محلية ( وكان ذلك قبل عملي في التلفزيون  بالطبع ) وطلبت منها إجراء مقابلة معه ( وكنت قد اخترت المرئي حتى يعرض تلك الأدوية على الشاشة ويحذر منها الناس ) 
وبعد يومين على التحقيق والمقابلة اتصل بي زميلي الصيدلي وأخبرني بأن مجهولين بلباس مدني اشتروا تلك النوعية من الصيدليات حتى لم يبق منها شيئ بهدوء ودون معاقبة للمسؤولين