رواندا: زورا كاروهيمبي التي أنقذت العشرات من الإبادة الجماعية

ثلاثاء, 25/12/2018 - 16:29

بي بي سي/ لم يكن لدى زورا كاروهيمبي أسلحة للدفاع عن نفسها عندما طوق الرجال الذين كانوا يلوحون بالسواطير منزلها، مطالبين بتسليم من كانت تأويهم.

كانت لها سمعة قوية في المنطقة بأنها قادرة على القيام بأعمال السحر. هذه السمعة، والخوف الذي زرعته في نفوس مجموعة من الرجال المدججين بالسلاح، كان كافياً لحماية امرأة مسنة مثلها وأكثر من مئة شخص خلال الإبادة الجماعية في رواندا.

قُتل 800 ألف شخص من التوتسي والهوتو المعتدلين، في أعمال العنف العرقية التي اجتاحت رواندا عام 1994، من بينهم ابنها البكر وابنتها.

وبعد 20 عاماً من تلك الأحداث، تحدثت كاروهيمبي من نفس غرفتها في منزلها الصغير الذي أخفت فيه الكثير من الناس، لمراسل بي بي سي كيف عاينت خلال الإبادة الجماعية "قلوب رجال مليئة بالحقد".

"حفر قبورهم بأيديهم"

تحول منزل كاروهيمبي المكون من غرفتين في قرية موسامو إلى ملاذٍ آمن لأبناء التوتسي وحتى ثلاثة من الأوروبيين أثناء الإبادة الجماعية. وقال بعض السكان المحليين إن عشرات الأشخاص اختبأوا تحت سريرها وفي مكان سري في السقف وأضاف آخرون أنها حفرت خندقاً في حقلها لتخفي الناس فيه، وكان من بينهم أطفال رضع بقوا أيتاماً بعد مقتل أمهاتهم.

علاج تقليدي

توفيت زورا كاروهيمبي (مواليد 1925) في منزلها في قرية موسامو، شرق العاصمة الراواندية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2018. لا أحد يعرف تماما كم كان عمرها. ربما أكثر من 100 عام، لكن الأوراق الرسمية تشير إلى 93 عاماً. وعموما لم تكن امرأة شابة عندما وصلت ميليشيات الهوتو التي كانت معروفة باسم "إنتراهاموي" إلى قريتها، كان عمرها أثناء أحداث عام 1994 يقارب 70 عاماً.

كانت كاروهيمبي، بحسب القصص العديدة التي كُتبت عنها، تنتمي لأسرة من الأطباء التقليديين.

وقرر البلجيكيون تنظيم سكان رواندا، فقسموهم إلى مجموعات محددة وأصدرت بطاقات هوية تبين الانتماء العرقي لهم سواء كانوا من الهوتو أو التوتسي.

كانت عائلة كاروهيمبي من الهوتو ، وهم يشكلون الأغلبية في رواندا. بينما حصلت أقلية التوتسي على فرص عمل وتعليم أفضل خلال مرحلة الاستعمار.

وأذكت تلك التفرقة التوترات بين المجموعتين في عام 1959، وكانت كاروهيمبي لا تزال شابة في ذلك الحين، عندما أجبر ملك التوتسي "كيغيري الخامس" مع عشرات الآلاف من أبناء التوتسي على الذهاب إلى المنفى في أوغندا المجاورة في أعقاب ما يعرف بـ "ثورة الهوتو" في رواندا.

لذا، عندما بدأت الهجمات الأولى في أعقاب إسقاط طائرة الرئيس "جوفينال هابياريمانا" في أبريل/نيسان 1994، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها كاروهيمبي مثل هذا العنف، لكنها لم تكن تعرف كم كانت الأمور سيئة. ووصل الأمر إلى أن الأزواج من الهوتو يتفادون زوجاتهم التوتسيات لتجنب مصيرهن.

سلاح الساحرة

كان سلاح كاروهيمبي الوحيد هو تخويف القتلة بأنها ستبعث بالأرواح الشريرة إليهم وإلى عائلاتهم.

وأوضح مراسل بي بي سي جان بيير، أنها كانت تدهن نفسها بعشبة محلية مزعجة لجلد الانسان لإبعاد القتلة الذين كانوا يخافون أن تلمسهم فتصيبهم العدوى.

ويقول حسن حبياقري، أحد الناجين من الإبادة الجماعية: " هذه هي الطريقة التي استخدمتها كاروهيمبي تماما لإنقاذي وإنقاذ العديدين".

وأضاف حبياقري: "لقد تم إنقاذنا ليوم آخر بعد أن أخبرت كاروهيمبي ميليشيا الهوتو بأنه إذا دخلوا الضريح ، فإنهم سيعانون من غضب "نيا بينجي" وهي كلمة راواندية تطلق على الله وكانت تخيفهم تلك المعتقدات.

وحكت كاروهيمبي كيف كانت تهز أساورها وأي شيء آخر يمكن أن تجده لإخافة الرجال وإبعادهم.

وقالت في مقابلتها عام 2014: " أتذكر في يوم من أيام الأحد عندما عاودوا تهديد من في منزلي، واجهتهم كالمعتاد ، وحذرتهم إن عاودوا ثانية فسيحفرون قبورهم بأيديهم"

ومع انتهاء الإبادة الجماعية ودخول المتمردين من التوتسي إلى العاصمة كيغالي، كان كل من لجأ إلى كاروهيمبي على قيد الحياة.

واستمرت أسطورة ساحرة قرية موسامو طويلاً في المنطقة رغم تأكيداتها المتكررة بأنها لم تكن ساحرة في حياتها قط.

وقالت لجان بيير عام 2014: " كنت دائماً أؤمن بربٍ واحد فقط ، ومسألة القوة السحرية كانت مجرد بدعة وغطاء استخدمه لإنقاذ الأرواح فأنا لست بساحرة".

ومع ذلك ، وصلت قصتها إلى أعلى المستويات في رواندا، ومُنحت في عام 2006، وسام الحملة ضد الإبادة الجماعية. ومنحها ذلك فرصة رواية قصة أخرى عن إنقاذها حياة آخرين قبل خمسين عاماً.

ميدالية مخبأة تحت الوسادة

وفقا لكاروهيمبي، مع تصاعد العنف العرقي بين المجموعتين في عام 1959، نصحت كاروهيمبي أم صبي يبلغ من العمر عامين، أن تأخذ بعض الخرزات من قلادتها الخاصة وتعلقها بشعر الصبي الصغير.

"أخبرتها أن تحمل ابنها ولا تدعه يفلت من يديها، فتظنه الميليشيات فتاة، فتتركه في حال سبيله، لأن الميليشيا كانت تقتل الصبيان دون البنات".

وأضافت كاروهيمبي: " لقد نجا الصبي وكبر وأصبح الرجل الرئيس الحالي بول كاغامي الذي قدم لي ميدالية، وتقول: "احتفظت بالميدالية التي سلمها لي كاغامي 2006، ولم تفارقني إلا عند النوم، إذ كنت أخبئها تحت وسادتي للحفاظ عليها من السرقة".

وقال جان بيير مراسل بي بي سي "لقد خاطرت زورا كاروهمبي بحياتها لإنقاذ الآخرين، وللقيام بذلك، كان عليها أن تهتز فقط متحدية بذلك جماعات مسلحة، وانتصرت عليهم جميعاً بجسدها وعقلها".

سيرة حياة زورا كاروهيمبي تظهر للناس بأن الإنسانية تبقى الأقوى حتى في أصعب المواقف.